responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 682
وَقَوْلُهُ: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ اسْتِئْنَافٌ ثَانٍ وَلَمْ يَعْطِفْ عَلَى مَا قَبْلَهُ ليَكُون مَقْصُودا الِاسْتِئْنَاف اهْتِمَامًا بِهِ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لَا يَهْتَمُّ بِهِ السَّامِعُونَ كَمَالَ الِاهْتِمَامِ وَلِأَنَّهُ يَجْرِي مِنَ الِاسْتِئْنَافِ الَّذِي قَبْلَهُ مَجْرَى الْبَيَانِ مِنَ الْمُبِينِ فَإِنَّ الْخِزْيَ خَوْفٌ وَالْخِزْيُ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ وَذَلِكَ مَا نَالَ صَنَادِيدَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ الشَّنِيعِ وَالْأَسْرِ، وَمَا نَالَهُمْ يَوْمَ
فَتْحِ مَكَّةَ مِنْ خِزْيِ الِانْهِزَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ عُطِفَتْ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَتْمِيمٌ لَهَا إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ لَهُمْ عَذَابَيْنِ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ.
وَعِنْدِي أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ مُؤْذِنٌ بِالِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ سَبَبِ انْصِرَافِ النَّبِيءِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ هِجْرَتِهِ فَإِنَّ مَنْعَهُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَشَدُّ مِنَ اسْتِقْبَالِ غَيْرِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 217] .
[115]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
لَمَّا جَاءَ بِوَعِيدِهِمْ وَوَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ تَسْلِيَةَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى خُرُوجِهِمْ مِنْ مَكَّةَ وَنِكَايَةَ الْمُشْرِكِينَ بِفَسْخِ ابْتِهَاجِهِمْ بِخُرُوجِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا وَانْفِرَادِهِمْ هُمْ بِمَزِيَّةِ جِوَارِ الْكَعْبَةِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا مَا تَفَاضَلَتْ جِهَاتُهَا إِلَّا بِكَوْنِهَا مَظِنَّةً لِلتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَتَذَكُّرِ نِعَمِهِ وَآيَاتِهِ الْعَظِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ وِجْهَةُ الْإِنْسَانِ نَحْوَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَيْنَمَا تَوَلَّى فَقَدْ صَادَفَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ وِجْهَتَهُ الْكُفْرُ وَالْغُرُورُ وَالظُّلْمُ فَمَا يُغْنِي عَنْهُ الْعِيَاذُ بِالْمَوَاضِعِ الْمُقَدَّسَةِ بَلْ هُوَ فِيهَا دَخِيلٌ لَا يَلْبَثُ أَنْ يُقْلَعَ مِنْهَا قَالَ تَعَالَى: وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الْأَنْفَال: 34]
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ» .
فَالْمُرَادُ مِنَ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فِي الْآيَةِ تَعْمِيمُ جِهَاتِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسِيرِ الشَّمْسِ قسمَيْنِ قسم يبتدىء مِنْ حَيْثُ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَقِسْمٌ يَنْتَهِي فِي حَيْثُ تَغْرُبُ وَهُوَ تَقْسِيمٌ اعْتِبَارِيٌّ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ مُنَاسِبٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَالتَّقْسِيمُ الذَّاتِيُّ لِلْأَرْضِ هُوَ تَقْسِيمُهَا إِلَى شَمَالِيٍّ وَجَنُوبِيٍّ لِأَنَّهُ تَقْسِيمٌ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِ آثَارِ الْحَرَكَةِ الْأَرْضِيَّةِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 682
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست